السبت، 11 أكتوبر 2014

الفصل الرابع -الشكل الجديد-






 

يؤكد المعداوي أن تجربة الشعر الحديث لا يمكن أن تتضح وتبدو قيمتها إلا بمعرفة الوسائل الفنية التي توسلت بها . وهذا يعني وقوفه عند شكل القصيدة الحديثة التي انبنت على رفض الشكل الشعري التقليدي ومحاولة بناء شكل شعري جديد .

في هذا السياق يرد على من يدعو إلى أن يكون لكل قصيدة شكلها الخاص بما أنها تعبير عن لحظة شعورية خاصة .. فهو يرفض هذه الدعوة لما يعتقده من نتائج سلبية لها . فهي ستؤدي في نظره إلى انصراف الشعراء إلى شكل جديد دون استنفاذ كل طاقات الشكل المتخلى عنه ، وتدخل الشعر في دائرة الفوضى إذ يصبح ركوب مغامرة الكتابة الشعرية سهلا على المتطفلين على الشعر فضلا عن كون الشكل الشعري ينمو ويتطور وليس شكلا بلغ ذروة تطوره .. الشكل في تطور مستمر ولو كان تطوره على مسافات زمنية متفاوتة بالنسبة إلى كل شاعر .

وفي معرض تناوله للشكل الشعري الحديث يتوقف عند اللغة الشعرية فينفي أن تكون صفة الاقتراب من لغة الحديث اليومي مميزة لها كما يقول الدكتور عز الدين اسماعيل .. وفي المقابل يرى أن هذه اللغة قد تطورت في اتجاهات عدة وأن الاقتراب من لغة الحديث اليومي ما هي إلى سمة من سمات أخرى ميزتها .

فكما حاولت الاقتراب من لغة الحديث اليومي احتفظت كما في شعر السياب بنفسها التقليدي من خلال استحضار أجواء القصيدة القديمة ، كما اتجهت نحو الدرامية .

التعبير بالصورة الشعرية :

يذكر المعداوي بسعي الشعراء الوجدانيين ( الرومانسيين ) إلى تحرير صورهم من سيطرة التراث وإلى ربطها بتجاربهم الذاتية ليشير إلى أن الشاعر الحديث لم يتوقف عند هذا الحد ، بل تعداه إلى توسيع أفق الصورة نفسها بحيث أصبحت تحتمل دلالات متعددة مستشهدا بمقطع للسياب وقصيدة للبياتي .

وبالموازاة مع توسيع دلالات الصورة سعى الشاعر الحديث إلى تقليص مدلولاتها ..

ويشير إلى أن الشاعر الحديث قد نسج صوره انطلاقا من ثقافته التي تلغي المسافات والحدود الجغرافية والزمنية بين الأمكنة التي أصبحت متجاورة في لا وعيه وأعماقه مستشهدا بمقطع للبياتي .

وباستلهام الشاعر الحديث لثقافات مختلفة وبتوسيعه مدلولات الصورة وبربطه في ما بينها يكون قد انفصل عن مفهوم الصورة البيانية في البلاغة القديمة مما جعل شعره يبتعد عن ذوق عامة الناس ويبدو غامضا .

تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث :

ينطلق المعداوي من مقطع للبياتي فيرى فيه لغة جديدة وصورا رمزية جديدة ومضمونا جديدا لكنه يعتمد الإطار الموسيقي التقليدي القائم على وحدة القافية والروي ثم يتساءل عما إذا كان شعرا حديثا أم لا .

يجيب بالإيجاب معللا جوابه بكون الشاعر الحديث لم يكن يسعى إلى تجاوز الإطار الموسيقي التقليدي إلا بالقدر الذي يتيح له الحرية للتعبير عن تجاربه . فإن كان يتعارض معها تم تجاوزه وإلم يكن تم الاحتفاظ به .

الأسس الموسيقية للشعر الحديث :

يقرر المعداوي ان النظام هو ميزة الإطار الموسيقي التقليدي وسر صموده في وجه محاولات تكسيره . فقد أدى وعي الشعراء منذ القديم بصرامة هذا الإطار إلى محاولة جعله أكثر ليونة ومرونة فعمدوا إلى الزحافات والعلل وإلى التنغيم الداخلي حيث استفادوا من موسيقى الحروف اللينة والحروف الصحيحة كما عمدوا إلى التضمين وحاولوا خلق قيود جديدة وإلزام أنفسهم بما لا يلزم .

ويرى أن ما يميز الإطار الموسيقي الجديد هو تفتيته للوحدة الموسيقية القديمة التي تمثلت في البيت الشعري ذي الشطرين المتساويين .. هذا التفتيت أربك النقاد والدارسين وجعلهم يختلفون حول تسميته .. فنازك الملائكة تسمي البنية الجديدة سطرا ، وعز الدين اسماعيل يسميها شطرا ومحمد النويهي يسميها بيتا . لكن المهم بالنسبة إلى المعداوي هو أن هذا الذي يقابل البيت التقليدي ليس له طول ثابت ويتراوح بين تفعيلة وتسع تفعيلات أو أكثر وأن عدد التفعيلات يختلف في القصيدة التقليدية عن عددها في القصيدة الحديثة ...

ويحصر تجربة الشعر الحديث في ست تفعيلات من البحور الصافية هي : مفاعيلن ( الهزج ) ، مستفعلن ( الرجز ) ، فاعلاتن ( الرمل ) ، متفاعلن ( الكامل ) ، المتقارب ( فعولن ) ، المتدارك ( فاعلن ) كما يلفت النظر إلى أن شعراء مثل السياب وأدونيس قد وظفوا تفعيلات البحور المختلطة ( البسيط والطويل خاصة ) لكن الطاقات الموسيقية لهذه البحور لم تستغل بشكل كاف إلا في تجربة أدونيس وذلك بفعل استثماره للزحافات وتنويعه في الأضرب وإجازته فاعل في حشو الخبب ( المتدارك ) .

نظام القافية في الشعر الحديث :

يسجل المعداوي ثلاث ملاحظات على التطور الموسيقي في الشعر الحديث ..

الأولى هي تعامل الشاعر الحديث مع القافية باعتبارها نظاما موسيقيا يتكون من عدة أحرف مع الحد من بروز إيقاع حرف الروي ، وإعطاؤه الدفقة الشعورية كامل الحرية وبذلك ’’ انتهى دور القافية بصفتها ضوء أحمر أو علامة وقوف ، وأصبحت محطة اختيارية تتنفس فيها مشاعر الشاعر قبل أن تستأنف رحلتها ‘‘ .

والثانية هي أن الشاعر الحديث كان في حاجة إلى رصيد لغوي غني لاختيار الكلمة المناسبة في نهاية السطر وفي هذا إدراك للفرق بين إيقاع القافية وبين الإيقاع الصارم للروي ..

والثالثة تخص العلاقة بين نظام القافية وبين الجملة الشعرية . فقد عمد الشاعر الحديث إلى وضع وقفات في داخل الجملة الشعرية الطويلة جدا ويتم التعرف عليها إما بالصمت وإما بعلامات الترقيم . وفي الجملة المتوسطة الطول اعتاد الشعراء ’’ أن يعوضوا القافية المتواترة في آخر البيت بقافية ذات نبر بارز يختمون بها جملهم الموسيقية ‘‘ .

يختم المعداوي حديثه عن البناء الموسيقي في الشعر الحديث بوصفه بالمرونة ’’ التي استمدها من خضوعه لحركة المشاعر والأفكار ‘‘ .

خاتمة الفصل :

فيها يثير مسألة الغموض في الشعر الحديث فيقرر أنها نابعة من جدة القصيدة نفسها والتي خرجت عن المألوف إذ كانت على مر العصور واضحة باستثناء شعر أبي تمام ، وأنها لما كانت جديدة فقد تطلبت فهما جديدا وتذوقا جديدا .

لذلك يضيف الغموض كعامل رابع مساهم في الحيلولة بين جمهور القراء وبين فهم وتذوق الشعر الحديث .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق