السبت، 11 أكتوبر 2014

من البنية الى الدلالة_ثانية باك-

من البنية إلى الدلالة

حسين الواد

Iتمهيد : من خلال ورود نص شعري مذيل باسم الشاعر أبي القاسم الشابي ، ومن خلال الجملة الأولى في الكلام النثري نستطيع أن نؤكد أن النص قراءة نقدية لنص شعري .. ومن خلال العنوان نؤكد أيضا أن القراءة تسير وفق مرحلتين تتم في الأولى دراسة بنية النص وفي الثانية تحديد دلالته .. وبناء على هذا نستطيع أن نؤكد أن الناقد قد اتبع منهجا بنيويا في قراءته للنص الشعري ..
فما هي معالم القراءة وفق هذا المنهج ؟ وماهي مفاهيمه وأسسه التي انبنى عليها ؟ وما مدى نجاعته في دراسة النص الأدبي ؟
II ملاحظة النص :
العنوان يتألف من مكونين : الأول هو من البنية والثاني هو إلى الدلالة .. الأول يشير إلى أن الدراسة ستنطلق من بنية النص والثاني يشير إلى أنها ستنتهي عند دلالته .. وهذا يعني أن القراءة ستعمد إلى الكشف عن بنية النص .. أي عن العناصر المكونة له وكيفية أدائها لوظيفتها التعبيرية والجمالية وبعدها تنتقل إلى الكشف عن الدلالة العامة لهذه البنية .. وهذا ما يسمح بالقول بأن القراءة لا تعترف سوى بالنص ومكوناته والعلاقات القائمة بينها .
هذا الافتراض يتأكد بمجرد القراءة الأولى للنص والتي تبدأ بالبنية العامة ( القصيد في إخراج الشاعر ) وتنتهي ب ’’ من البنية إلى الدلالة ‘‘ ( تتبعنا للقصيد على هذا النحو يسلم إلى الوقوف على نتائج تهم علاقة بنيته بدلالته ) .
IIIفهم النص :
قراءة في البنية العامة :
1 - عمد الناقد في البداية إلى الوقوف عند البنية العامة للنص المدروس فقطعه إلى مقطعين كبيرين بحسب إخراج الشاعر له .. الأول ستة أبيات ( من 1 إلى 6 ) والثاني ثلاثة ( من 7 إلى 9 ) .
2 - أشار الناقد إلى أن النص بني بناء عموديا فقام على وزن واحد هو الكامل وعلى قافية واحدة هي الباء مجرورة بعد مد . واعتبر ذلك تناظرا اضطراريا بحكم تقيد الشاعر بما تقيدت به بنية القصيدة العربية من شروط قديمة .
3 - أشار الناقد إلى تناظر آخر غير اضطراري وغير ملزم تمثل في :
ا - جعل القافية في كل الأبيات أسماء مفردة أو مجموعة لا يتخللها أي فعل .
ب – إقامة كل مقطع من المقطعين على ظرف يتبعه خطاب ( في الليل ) بالنسبة إلى المقطع الأول و ( فوق المروج و في الفضا ) في المقطع الثاني .
4 – اعتبار الاختلاف بين المقطعين مجسدا فقط في كون الظرف في المقطع الأول يأتي بيتا على ستة أبيات وفي المقطع الثاني يأتي بيتين على ثلاثة أبيات .
5 – اعتبار الاختلاف بين المقطعين اختلاف اتساق محكوم بمنطق هندسي دقيق .
المقطع الأول وهو الأبيات الستة الأولى ..
يقسمه الناقد إلى نوعين :
النوع الأول وهو البيت الأول ويقطعه تركيبيا ثم يحدد محتواه وهو الشكوى التي يرفعها الشاعر إلى الكواكب .. والبيت متجانس مع الأصوات التي وظفت فيه وتجلى التجانس في هيمنة حروف المد الدالة على الشكوى بما أنها مقترنة بالسخط ( ساخطا متأجج الآراب ) .. غير أن هذه الأصوات الممدودة قد احتضنت صوتا مضعفا ( الجيم ) يليه صوت مثله ( متأجج ) .
والنوع الثاني خمسة أبيات تكون نص النداء الذي يوجهه الشاعر إلى الكواكب والذي يشكل وحدة كلامية .. والمتأمل في هذه الأبيات الخمسة يجدها تنقسم إلى ما لا يقل عن قسمين اثنين :
ففي الأبيات 2 – 3 – 4 نجد صورة تركيبية واحدة وفي البيتين 5 و 6 نجد تراكيب أخرى .. في 2 – 3 – 4 –تتكرر الجملة الاسمية ( المبتدأ والخبر ) والمبتدأ في صدر شطري البيتين 2 و 3 لفظ مفرد ( الحقل ، الروض ، النهر ، الغاب ) أما الخبر فهو جملة فعلية في البيت 2 واسمية في البيت 3 .. وليس هناك فرق كبير بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية لأن الفعل جاء في صيغة المضارع الدائم الخالي من الزمن ( يملك ، يسكن ) فدل على ما تدل عليه الجملة الاسمية من استمرار واطراد ..
هكذا يصبح الفرق بين التركيبين في نظر الناقد ميالا إلى التناظر رغم الاختلاف .. ويزداد التناظر في نظره في بنية البيتين 2 و 3 بين الفعل ( يملك ) و( يسكن ) أو بين ( جبابرة الدجى) و ( بنو الأرباب ) ..
هذا المقطع يصرف ثلاثة عناصر تم تحديدها منذ البيت الأول ..
العنصر الأول وهو ( الليل ) قد ورد بدون صفة في البيت الأول لكنه تحول إلى ( جبابرة الدجى ) و ( بنو الأرباب ) و ( الغول ) و ( الحطاب ) .. وهي عناصر في حالة تسلط دائم على ( الحقل) و( الروض ) و( النهر) و( الغاب ) ..
العنصر الثاني وهو الذات المتكلمة ( الشاعر ) قد قيدت بحالين في البيت الأول ( ساخطا ) ( متأجج الآراب ) وسجلت حضورها في نص النداء ( الخطاب الموجه إلى الكواكب ) بالاستفهام الإنكاري ( ماهذه الدنيا الكريهة ؟ ) وبـ الدعاء عليها ( ويلها حقت عليها لعنة الأحقاب ) وبإظهار الانطباع والشكوى واقتضاء الجواب ..
والعنصر الثالث وهو ( الكواكب ) وجاء عاريا من الصفة ولم يتحول إلى صفة من الصفات التي تنتمي إلى حقله الدلالي .. لقد ظل في وضعه الأول الذي برز عليه في البيت الأول لأن النداء موجه إليه .. إنه الملاذ الذي وجب عليه عدم التحول والتأثر ..
إن العنصرين الأول والثاني في حالة صدام ( صراع ) .. فاستمرار الليل على أساس التفرع إلى وسائل التدمير والخراب والإفساد أثارالسخط في الأنا ( الشاعر ) ودفعها إلى التساؤل في صيغة الشكوى التي رفعها إلى عنصر محايد ( الكواكب ) ..
المقطع الثاني وهو الأبيا ت الثلاثة الأخيرة ( 7 – 8 – 9 ) .
في البيتين الأول والثاني تمهيد لطرح الجواب الذي اقتضته الذات المتكلمة وطلبته ( فانطقي بجواب ) ..وفي البيت الثالث نص الجواب ( الفجر يولد باسما ، متهللا في الكون بين دجنة وضباب ) .
أول ما يسجله الناقد هو أن هذا المقطع يرتبط بالمقطع الأول بفعل جاء أي النتيجة .. وهو ارتباط سريع لا تريث فيه ..
ألفاظ البيتين والعلاقات بينهما متناسقة على عكس البيت الأول من المقطع الأول .. والأبيات الخمسة المشكلة لنص النداء تنافي الظرف والنداء معا .. في المقطع الأول أزمة وفي الثاني انفراج .. في المقطع الأول تتداعي ( تتتابع ) الأخبار بمبتدآتها بينما تزيد الصفات من ألق الموصوفات في المقطع الثاني .. وفي المقطع الثاني تفقد المفردات الواصلة دلالاتها المألوفة .. فكلمة ( فوق ) لا تلحق أي ضرر بما هو تحت .. والأداة ( على ) ينتفي منها الضغط .. غير أن الذي ينفي نص النداء نفيا تاما هو البيت الأخير لأنه تضمن نص الجواب..
من البنية إلى الدلالة .
يسجل الناقد في هذه المرحلة النتائج التي قاده إليها تحليل النص وهي نتائج تهم علاقة بنيته بدلالته العامة .
فقد أبرز التحليل ( حكم الواقع = النص ) أن بنية القصيدة محكومة بحركتين أساسيتين :
الأولى تناظرية ( علاقة التناظر ) وتقوم على الوزن الواحد والقافية الواحدة وهذه معطيات ضرورية للقصيدة المقيدة بتقاليد الشعر العربي القديم .. كما تقوم على انتهاء الأبيات كلها بأسماء ، وعلى تكون بناء القصيدة من مقطعين يتشابهان في احتواء كل منهما على ظرف وعلى خطاب .. وهذه الحركة التناظرية تشمل الأبيات التي ترد في صورة تركيبية واحدة وترد ألفاظها متقاربة من حيث الدلالة إلى حد الاتفاق ..والتناظر من صميم البناء الشعري لكثرة ما يترتب عنه من تكرار الصور التركيبية والصوتية الواحدة ..
أما الحركة الثانية ( العلاقة الثانية ) في حركة التقابل والتنافر .. وتنطلق من البيت الأول عندما يحدث الاصطدام بين الأنا والليل فتفزع الأنا إلى الكواكب وعندما يطول استبداد الليل في عناصر التسلط والقهر بعناصر المسالمة والوداعة .. وقد سيطر التقابل على بنية القصيدة حتى قابل ظرف المقطع الأول ظرف المقطع الثاني ، ونفى الجواب في المقطع الثاني نص النداء في المقطع الأول .. ومن هذا التقابل خرج الجواب يطمئن الأنا مؤكدا أن الأسوأ يؤول إلى الأحسن ..
IV تحليل النص :
1 – الإشكالية : لاحظنا أن الناقد قد انطلق في دراسته لهذا النص الشعري من تفكيك بنيته ودراسة كل عنصر منها على حدة لينتهي إلى استخلاص دلالة عامة وهي أن بنية النص تحكمت فيها علاقتا التناظر والتقابل وأن علاقة التقابل التي تحكمت في بناء الدلالة العامة التي هي أن الأسوأ يؤول إلى الأحسن ..
ولعل في اختيار الناقد للمنهج البنيوي طرحا لإشكالية القراءة التي نصوغها على الشكل التالي : كيف نقرأ النص الأدبي ؟
هناك أجوبة متعددة لكن الناقد اختار الجواب التالي : نقرأ النص الأدبي قراءة بنيوية بتفكيكه إلى عناصره واكتشاف العلاقات المتحكمة فيها لاستنطاق دلالته العامة ..
2 - مراحل القراءة : عمد الناقد إلى تقسيم عمله إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى وهي اكتشاف العلاقات المتحكمة في بنية النص وفيها تمت دراسة العناصر المكونة للبنية وهي : المستوى الإيقاعي ، المستوى الصوتي ، المستوى التركيبي ، المستوى المعجمي ، المستوى الأسلوبي لتبيان علاقتي التناظر والتقابل التي تحكمت فيها .
علاقة التناظر تجلت في ما يلي :
احتواء كل من المقطعين الأول ( 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 ) والثاني ( 7 – 8 – 9 ) على ظرف .. الأول بيت على ستة أبيات والثاني بيتان على ثلاثة أبيات .
التناظر الإيقاعي : تناظر اضراري تمثل في وحدة الوزن ووحدة القافية وآخر غير اضطراري تمثل في جعل أواخر الأبيات أسماء مفردة ومجموعة لا يتخللها فعل..
التناظر الصوتي : تناظر المادة الصوتية ( حروف المد ) مع معنى الشكوى .
التناظر التركيبي : تناظر أواخر الأبيات باحتوائها أسماء مفردة وموجموعة دون أن يوجد بينها فعل ، وتناظر بين الجمل الفعلية والاسمية من حيث دلالاتها بفعل تضمن الجمل الفعلية أفعالا خالية من الزمن دالة على الاستمرارية والديمومة .
التناظر المعجمي : معجم النص محكوم بالتناظر حيث تترادف عناصر التسلط ( جبابرة الجى = بنو الأرباب ) كما تترادف عناصر الوداعة ( الحقل = الروض ) والأفعال المسلطة عليها ( يملكه = يسكنه ) ..
علاقة التقابل تجلت في :
استعمال جمل فعلية وأخرى اسمية ..
اقتضاء النداء لجواب ونفي النداء بالجواب ..
الصدام بين الذات المتكلمة وبين الليل الذي أثار فيها السخط وأجج آلامها وآرابها ..
المرحلة الثانية وهي بناء الدلالة العامة من خلال إبراز دور علاقة التقابل في تشكيلها وهي طمأنة الكواكب للذات المتكلمة ووعدها بغد أفضل وأجمل ..
3 - مستويات القراءة : تمت القراءة من داخل النص وفق مستويات متعددة هي : المستوى الإيقاعي ، الصوتي ، التركيبي ، المعجمي ، الأسلوبي .
3 - المفاهيم : بما أن القراءة كانت من داخل النص عبر تفكيك مكوناته انسجاما مع مجال النقد البنوي الذي هو اللغة ، فقد وظف الناقد مجموعة من المفاهيم يمكن توزيعها على الحقول المعرفية التالية :
علم اللغة : وهو المهيمن لأن الدراسة انصبت على لغة النص دون غيرها مثل : المادة الصوتية ، أصوات المد ، الكلام ، الصورة التركيبية ، المبتدأ ، الخبر ، الصفة ، الألفاظ ، الفعل ، صيغة المضارع ، الاستفهام الإنكاري ، النداء ، الدلالة .....
حقل الشعر : وذلك لأن موضوع الدراسة نص شعري : القصيد ، الشاعر ، الأبيات ، الوزن ، القافية ، البيت ، البناء الشعري ..
حقل الرياضيات والمنطق : منطق ، هندسي ، دقيق ، التناظر ، التقابل ، الاتفاق ، التماثل ..
4 - كيفية التعامل مع النص الأدبي : تتحدد قراءة النص الأدبي بوصفها استنطاقا لعناصره باعتباره بنية ومن ثم بناء دلالته العامة . إنها قراءة للنص من داخله دون اللجوء إلى الأحكام الجاهزة المسبقة التي يحتمي بها دعاة النقد الأيديولوجي الذين يحكمون المستويات الخارجية في قراءة النص فيغفلون العلاقات بين عناصره ووظائفها التعبيرية والجمالية ..
الموقف من النص الأدبي : النص الأدبي كما يتجلى من خلال كيفية التعامل معه بنية لغوية منغلقة على محيطها ودالة دلالة كلية .
5 - القضايا : تطرح هذه القراءة النقدية نفس القضايا التي يطرحها المنهج البنيوي وأهمها تلك المتعلقة بموت المؤلف ( لا مكان للمعطيات الخارجية المتعلقة بحياة المؤلف الاجتماعية أو النفسية أو التاريخية في عملية القراءة باعتبارها مقابلا للجانب الغيبي الميتافيزيقي بالنسبة للظواهر ) ومفهوم البنية ( مجموعة من العناصر كل عنصر منها يؤدي وظيفة تتكامل مع باقي وظائف العناصر الأخرى بشكل يسمح بتشكيل نسق ( نظام من العلاقات ) هو ما ينبغي على الناقد البنيوي أن يكتشفه ) وطبيعة البنية الدلالية للعمل الأدبي ( الدلالة كلية وهي محصلة دلالات البنيات الجزئية ( البنية الإيقاعية ، الصوتية ، المعجمية ، التركيبية ، الأسلوبية ) .
6 - الإطار المرجعي : تتعدد مرجعيات القراءة هنا بتعدد مرجعيات المنهج البنيوي نفسه : علم اللغة ( ذلك واضح من خلل توظيف المفاهيم اللسانية وهيمنتها على الدراسة ) ، حركة الشكلانيين الروس ( ذلك واضح من خلل دراسة شكل النص واستخلاص الدلالة من عناصره ) ، جماعة تيل كيل ( ذلك واضح من خلل البحث في شعرية النص لا في ارتباطاته الخارجية الأيديولوجية ) ، الفلسفة الظاهراتية ( ذلك واضح في تغييب كل ما هو خارج النص وغير قابل للإدراك والإبقاء على لغته بما هي المدرك الوحيد ) ، فكرة الجشتالت ( ذلك واضح من خلل النظر إلى دلالة النص في كليتها واعتبارها محصلة البنيات الجزئية كلها = الإيقاع ، الأصوات ، المعجم ، التركيب ، الأسلوب ) ، العلوم الرياضية والمنطقية ( ذلك واضح من خلل اعتماد مفاهيم رياضية منطقية ) ، التراث اللغوي والنقد العربي ( ذلك واضح من خلل إلمام الناقد بعلم النحو العربي وبعروض الشعر ) .
V تركيب : يقدم الناقد قراءة بنيوية لنص صوت من السماء لأبي القاسم الشابي .. وفي هذا السياق عمد إلى تفكيكه باعتباره بنية إلى بنياته الجزئية ( مستوياته ) الإيقاعية والصوتية والتركيبية والمعجمية والأسلوبية ) لينتهي إلى ان بنيته محكومة بنسق ثلاثي تقيمه ثلاثة عناصر هي ( الليل ، الأنا ، الكواكب ) ليتجسد في علاقتي التناظر ( التماثل ) والتقابل ( التنافر ) ومن العلاقة الأخيرة تتشكل الدلالة العامة للنص وهي أن الأسوأ يؤول إلى الأحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق