السبت، 11 أكتوبر 2014

الى دودة_1_ثانية باك

إلى دودة

ميخائيل نعيمة

واحة اللغة العربية ،

السنة الثانية من سلك الباكالوريا

مسلكا الآداب والعلوم الإنسانية

ص 54 .


تمهيد :
كرد فعل على إغراق الشعراء الإحيائيين في محاكاة النموذج الشعري القديم ، وبفعل مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية ، ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي حركات تجديدية دعت إلى تجديد الشعر وتخليصه من سلطة القديم .. ومن بين هذه الحركات يرزت الرابطة القلمية أو ما يعرف بالمدرسة المهجرية التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية على يد كل من جبران وإيليا أبي ماضي ومجموعة من الشعراء الذين نزحوا من الشام .. ويعتبر ميخائيل نعيمة أحد أبرز رواد هذه المدرسة بل يعد ناقدها وفيلسوفها المنظر لاتجاهها التجديدي الشعري .. ولعل في هذا النص خير ما يعكس التجربة الشعرية لهذا الشاعر وسائر شعراء الرابطة .. وسنحاول من خلاله استجلاء خصائص الشعر الرومانسي ومعرفة إلى أي حد نجح في تخطى القديم والانعتاق من قبضته ..
ملاحظة النص :
- لعل خير ما يستوقفنا ونحن بصدد هذا النص هو العنوان .. وهو مصوغ بشكل يجعلنا نخمن أن الشاعر يتوجه بحديثه إلى دودة بحيث يمكننا أن نصوغه على الشكل التالي : خطاب – رسالة – حديث موجه إلى دودة ..
ومن المعلوم أن الشاعر هنا يتحدث إلى غير العاقل .. وهذا يعني أن القوة الإنجازية الحرفية للجملة متجاوزة إلى قوة مسلتزمة تستفاد من السياق وهي أن الشاعر لا يخاطب الدودة بل يخاطب نفسه ..
من هنا نخمن أيضا توظيف الشاعر للطبيعة الحية في التعبير عن ذاته ..
ويطرح العنوان سؤالا عن طبيعة المضمون الشعري للنص .. أهو إحيائي مصدره الأحداث الهامة في حياة الأمة وحياة زعمائها أم وجداني مصدره ذات الشاعر ؟
آمن الرومانسيون بأن موضوع الشعر ليس من خارج ذات الشاعر .. فكل ما يثير الشاعر ويؤثر فيه شعر حتى ولو كان دودة ..
من هنا نخمن بأن النص تعبير عما أثارته الدودة في نفس الشاعر من أحاسيس وانفعالات ومواقف ..
- وعند الوقوف عند البيت الأول نجده يؤكد مشروعية السؤال .. ففيه يشبه الشاعر حركة الدودة على الأرض بحركة الوهن في جسمه .. أي أن حركة الدودة هي التي استدعت الإحساس بالوهن في الجسم وأيقظته ..
- وإذا نظرنا في البيت الأخير نجده تعبيرا عن موقف واضح من الحياة .. فهو يعلن في صراحة مرة لاجدوى البحث عن أسرار الحياة فهي أشكال وألوان محيرة ..
- وإذا نظرنا في الشكل الخارجي للنص نجد الشاعر قد اعتمد الإطار الموسيقي القديم حيث وحد الوزن ( المتقارب ) ووحد القافية والروي وصرع البيت الأول ..
خلاصة الملاحظات هي أن المضمون الشعري للنص وجداني ذاتي نابع من وجدان الشاعر وأنه صب في قالب موسيقي قديم ..
فما هي خصائص العناصر الأخرى للنص الشعري ؟
فهم النص :
النص خطاب موجه من الشاعر إلى ذاته عن طريق الدودة .. وهو ينقسم إلى ثلاث علامات :
1 – ( من 1 – إلى 4 ) : يتوجه الشاعر إلى الدودة مخبرا إياها بأن دبيبها على الأرض يشبه دبيب الوهن في جسمه المتعب ، ويثير فيه إحساسا بحتمية النهاية ( الموت ) ..ففيما هي تدب ببطء يركض هو مسرعا في حياته التي لم يجن منها إلا الخيبات وتعثر الأمال ، يحيى على الوهم بتحقيق أماله وحين تتحطم يلقي باللوم على الزمان .. فهو في تقلب مستمر بين الأمل ( في كل يوم لي حياة جديدة ) وبين اليأس ( وفي كل يوم سكرة الموت تغشاني ) .
2 – ( من 5 إلى 15 ) : يشكو الشاعر حاله للدودة بنبرة الغبطة .. فلولا الشك الذي يعمي بصره لوجد في دبيبها طمأنينته وسكينته ، ولعاش مغرورا بأفكاره مستكينا لها ، لايسأل عن دواعي وجوده وبواعث حاله .. يحيا بطبيعته أعمى سائرا في هدى لا مبصرا في طريق التيه .. متمتعا بعناية الأرض والسماء ..
ويعلل الشاعر سر محنته فيربطها بانشطار ذاته وتوزعها بين قلبه المسلم بالأمر وفكره العنيد الذي أشقاه بالسؤال . توهم أن وراء الكون سرا يمكن الوصول إليه بالسؤال فراح يبحث في كل مكان مسببا له الوهن والتضعضع ..
3 – ( من 16 إلى 18 ) : ينتهي الشاعر إلى حقيقة مفادها أن الحياة ذات أشكال وألوان يحار فيها الناظر المتأمل ، وألا مراتب أو أقدار فيها ، وأن من يبحث عن سرها لكمن يشتري العطش بالماء كناية عن لا نهائية السؤال ..
المضمون الشعري في هذا النص نابع من ذات الشاعر لأنه تعبير عن تقلباتها بين الأمل واليأس من استبطان سر الوجود 

هناك تعليق واحد: