السبت، 11 أكتوبر 2014

وجه التاسي (2) ثانية باك ادب


تحليل النص                                                               :
1 - ا                             لبنية الإيقاعية :
ا - الإيقاع الخارجي :
اختــــــــلاف ن / نهــــار ول / ليل يــــــــــنسي
- 0 - - 0 – 0 / - - 0 - - 0 / - 0 - - 0 – 0 فاعــــــــــــلاتن / متفعـــــــلن / فاعــــــــــلاتناذكرا لي ص / صـــــــبا وأي / يــــام أنــــــسي
- 0 - - 0 – 0 / - - 0 - - 0 / – 0 - - 0 – 0
فاعـــــــــــــلاتن / متفعـــــــلن / فاعــــــلاتــن
البحر الذي نظم عليه الشاعر هو الخفيف ( فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ) في كل شطر ، وهو صحيح العروض والضرب .. أما القافية فهي تتألف من مقطعين صوتيين ( سببين خفيفين ) ، مطلقة ( رويها متحرك ) موصولة بصائت طويل ( مد ) متحقق نادرا ( ب 1 ) ومتولد عن إشباع حركة الروي في غالب الأبيات ( ب 2 ) . أما الروي فهو حرف السين مكسورا وهو من الحروف الصفيرية ..
لم يغير الشاعر في الوزن والقافية والروي كما أنه صرع البيت الأول ..
هكذا نخلص إلى أن الشاعر حافظ على الإطار الموسيقي القديم بالتزامه التقاليد العروضية الخليلية ، وهذا مظهر أول من مظاهر اقتفائه آثار القدامى و النسج على منوالهم ..
وإذا استحضرنا كون القصيدة معارضة لسينية البحتري ، فإننا نجد الشاعر قد قيد نفسه وألزمها بما لايلزم حين رسم لها مسارا لا تحيد عنه ، وهذا ما سيتجلى من خلل الوقوف عند المعجم الشعري والصورة البيانية ..
ب - الإيقاع الداخلي :
يتألف من الظواهر التالية :
التكرار على مستوى الصوامت والصوائت حيث تحظى السين والكسرة وحروف المد الدالة على التفجع بحضور لافت ، وعلى مستوى الكلمة والصيغة الصرفية والنسق العروضي ..
كما يتشكل من التوازي والتنويع في الأساليب ، والتقديم والتأخير والمماثلة الصوتية والتضاد والترادف ( بان = جموع = محسن / هادم = مشت = محس ) .يشيع في النص جو من الأسى والحسرة المشفوع بنبرة العظة والحكمة .. ولعل وجود الشاعر في المنفى وما يثيره في نفسه من حزن ، ووقوفه على المآثر العربية الإسلامية وما يثيره من أسى وحسرة هما العاملان المؤججان لعاطفته ..
2 - المعجم :
توسل الشاعر بمعجم شعري نصنفه في الحقول التالية :
حقل الأسى والتفجع : ( ينسي ، أيام الصبا ، أنسي ، شفتني ، يرعني ، ... ) وحداته تتوزع على الوحدة الأولى ( من 1 إلى 3 ) والثالثة ( من من 9 إلى 18 ) حيث التفجع على الصبا من جهة ، وعلى ضياع المجد العربي في الأندلس من جهة ثانية .
حقل الوطن : ( مصر ، وطني ، المسلة ، عين شمس ، عبد شمس ... ) وهو ينحصر داخل الوحدة الثانية ( من 4 إلى 8 ) ، ويكشف عن تعلق الشاعر بوطنه خصوصا وهو يعاني النفي ..
حقل الحكمة : ( بان ، هادم ، عبرة ، خلق ، همة . الماضي ، التأسي .. ) وهو يثوي في الوحدة الأخيرة ( من 19 إلى 22 ) ، ويكشف عن الدرس الذي تعلمه الشاعر من وجوده في الأندلس واستحضاره لأسباب أفول الحضارة العربية من هناك ..
الحقول مشدودة إلى بعضها بعاطفة الشاعر المتأججة الباكية المتأسية ..
والملاحظ أن الشاعر قد عارض لغة زمانه وتوسل باللغة البدوية للعصر العباسي وهذا ما يبدو من خلل تصفح الوحدات المعجمية في القصيدة وفي سينية البحتري .. فبالعودة إلى الصفحة التاسعة والثلاثين من الكتاب المدرسي نجد أبياتا من سينية البحتري ونجد فيها وحدات معجمية وظفها شوقي : جبس ( ب 20 ) ، عنسي ( ب 14 ) ، درس ( ب 16 ) ، لبس ( ب 9 ) ، رمس ( ب 12 ) .. وباستعادته لغة العصر العباسي يكون قد استعاد معها القيم الثقافية لذلك العصر : وبساط طويت والريح عنسي = ناقتي ( ب 14 ) .. الشاعر بدل أن يقول والريح سفينتي أو طائرتي أو سيارتي أو أية وسيلة من وسائل التنقل المتاحة في عصره ، قال عنسي .. ذلك لأن الشعراء القدامى كانوا يركبون النوق في ترحالهم ..
من هنا نستطيع القول بأن استعادة اللغة التراثية والتوسل بها للتعبير عن التجارب الخاصة كانت سمة مميزة للشعر الإحيائي ..
3 - الصورة الشعرية :
تستمد الصورة مكوناتها من المجال الحسي ما عدا الصورة في البيت الثاني :
وصفا لي ملاوة من شباب * * * صورت من تصورات ومس ( ب 2 ) ..
نجد الشاعر يشبه فترة الشباب بصورة تراءت لمصاب بمس .. وهو هنا يشبه شيئا معنويا بآخر معنوي ..
العلاقة هنا هي المشابهة لجامع عدم الوضوح .. صورة مضببة عن الشباب تشبه صورة مضببة تراءت لمصاب بمس .
سقمت شمسهم فرد عليها * * * * نورها كل ثاقب الرأي نطس ( ب 11 ) .
هنا نجد المكونات الحسية .. والأداة هي الاستعارة :
المستعار : السقم
المستعار منه : الكائن المريض
المستعار الشمس ..
العلاقة بين المستعار منه والمستعار له هي المشابهة ..
والصورة هنا كناية عن صفة الانحطاط والزوال .
رد عليها نورها كل ثاقب الرأي نطس
تشبيه الشمس بالذي فقد بصره مع عدم ذكره ( استعارة مكنية ) وتشبيه الذي أحيا الحضارة الأموية بالطبيب الذي يعيد البصر لمن فقده .( استعارة مكنية ) .
وسلا مصر هل سلا القلب عنها * * * * أو أسى جرحه الزمان المؤسي ( ب 4 ) .
وسلا مصر : مجاز مرسل علاقته المحلية إذ المقصود ليس هو مصر وأنما أهلها .. ( وسلا أهل مصر ) .
هل سلا القلب عنها : مجاز مرسل القلب لا يسلو وإنما صاحبه .. والعلاقة بين القلب وصاحبه علاقة جزئية ..
أسى جرحه الزمان المؤسي : استعارة مكنية حيث تم تشبيه الزمان بالطبيب المعالج دون ذكره على قاعدة المشابهة ..
عصفت كالصبا اللعوب ومرت * * * سنة حلوة ولذة خلس ( ب 3 ) .
تمت استعارة صفة العصف من الريح وإعارتها إلى الملاوة من الشباب ، ثم تم تشبيه سرعة مرورها بالصبا التي استعيرت لها صفة اللعب والخفة ..
مرت سنة حلوة ولذة خلس : تشبيه مرور الملاوة من الشباب بالسنة الحلوة واللذة المختلسة ( مرت كسنة حلوة وكلذة خلس ) .
الصور في النص تكاد تكون مترابطة برغم تعدد الوحدات .. فهناك جو واحد أو بتعبير كولريدج عاطفة سائدة يوحدها لكنها تنهل من التراث كما في :
رب ليل سريت والبرق طرفي * * * * وبساط طويت والريح عنسي ( ب 14 ) .
وهذا يسمح بالقول بأن الشاعر حاول أن يصبغ صوره بجو عاطفي واحد لكنه لم يستطع ربطها بذاته وبباقي عناصر النص من لغة وإيقاع ، وهذا ما لم يحقق الوحدة العضوية رغم شيوع عاطفة واحدة ..
نخلص إلى أن الشاعر قد استقى مكونات صوره من العالم المحسوس وتوسل بالأدوات البيانية الموروثة ( التشبيه ، المجاز ، الاستعارة ، الكناية ) وهي تقوم على علاقة المشابهة الملازمة لطبائع الأشياء وعلاقة المجاورة .. ومن هنا نستطيع أن نقول بأن الشاعر قد اقتفى آثار القدماء في تشكيل صورهم وجارى قواعد الخيال الشعري العربي القائم على ترك مسافة نفسية بين الذات ( الشاعر ) وموضوعه ..
4 - الأساليب :
تتراوح الجملة بين الخبر والإنشاء ..
الجملة الخبرية ابتدائية تخبر عن حال الشاعر وراهنه وحال الأندلس وماضيها العربي الإسلامي .. وهي تتعدى قوتها الإنجازية الحرفية ( الإخبار ) إلى قوة مجازية مستلزمة هي التعبير عن الأسى والشكوى من الزمان ..
أما الجملة الإنشائية ( الأمر ، الاستفهام ، النداء ) فهي ذات قوة إنجازية مستلزمة دالة على الحسرة والتفجع وتكرس الجو العاطفي الذي يخيم على النص ..
أما الضمير المهيمن في الوحدة الأولى والثانية فهو المتكلم المفرد مما يدل على أن التجربة المعبر عنها تجربة فردية ، ويحضر إلى جانبه ضمير الغائب المفرد وهو متعدد الإحالات ، ثم ضمير المخاطب المفرد وهو دال على توهم الشاعر مخاطبا له ( المخاطب الضمني ) على عادة الشعراء الجاهليين والإحيائيين ..
أما الزمن النحوي للفعل فهو يتراوح بين الاستقبال وبين الماضي .. ففيما الشاعر يطمع في استعادة ملاوة من شبابه وأيام صباه وأنسه ، يلتفت إلى الماضي لاستعراضه وأخذ العبرة منه ..
5 - البنية :
رغم سيادة جو عاطفي موحد فالنص يبقى بنية ممزقة لا يشد أجزاءها سوى النظم العروضي وحضور ذات الشاعر ..
التركيب :


من خلل توكؤ الشاعر على الإطار الموسيقي القديم ( وحدة الوزن ووحدة القافية ووحدة الروي ثم تصريع البيت الأول ) ، ومن خلل توسله بلغة القدماء ومحاكاة صورهم ، نخلص إلى أن النص تعبير عن تجربة المنفى في قالب شعري موروث .. ورغم ذلك فهناك ما يحسب لهذا النص وهو قدرته على نسج خيط عاطفي يشد أجزاءه المبعثرة ، ولعل في هذا تمهيدا لنشوء الوحدة العضوية مع الشعراء الوجدانيين ، ولعل هذا أيضا هو ما حدا بجماعة أبولو إلى تنصيب شوقي رئيسا شرفيا لها عند تأسيسها ..

هناك 6 تعليقات: