الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

بعض الاساطير

بعض الأساطير ومعانيها   الأسطورة عبارة عن حكاية ذات احداث عجيبة خارقة للعادة أو عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها . معظم الأحيان تكون شخوص الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة وتواجد الإنسان فيها يكون مكملا لا أكثر. تحكي الأسطورة قصصا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة مثلا أو نشوء الكون أو خلق الإنسان وغيره من المواضيع التي تتناولها الفلسفة خصوصا والعلوم الإنسانية اعتمد الشاعر في تركيبه للصورة الشعرية في الشعر الحر على عدة عناصر ، من كناية وتشبيه واستعارة ، ومجاز ورمز وتعبير حقيقي، وقد كانت الصورة في الشعر الحر مجالا لتأدية المعنى ، وليس عنصر زخرف أو تزيين ومن يقرأ الشعر الحديث يجد أن الصورة الفنية فيه ، إما جزئية معتمدة على المفهوم التقليدي للصورة الشعرية القديمة من تشبيه واستعارة ، أو كناية، وإما صورة كلية ، يرسم الشاعر من خلالها صورة مركبة ، تتضافر فيها كل العناصر الجزئية لتقديم صورة شعرية مشهدية كلية.و لم يكتفِ شعراء مدرسة التفعيلة بتوظيف الأسطورة فحسب ، بل أعادوا صياغتها للتعبير عن واقعهم الوطني أو القومي، أو الإنسان

سيزيف
محارب بارع وماهر يتميز بالمكر والدهاء وهو ابن ايولوس اله الرياح وسيزيف كان ملك علي سيلينا وقد ارتكب من الأفعال ما اغضب عليه إلهة الأوليمب لذا تعرض لاقسي واعنف أنواع العقاب الصارم فقد اجبره زيوس علي أن يدحرج صخره عملاقه إلي قمة جبل وما أن يصل إلي قمته حتى تنحدر منه الصخرة مره أخري وتسقط إلي أسفل عند سفح الجبل فيعود مره أخري لدحرجتها إلي قمة الجبل وما أن يصل إلي قمته حتى تنحدر مره أخري لأسفل وهكذا يظل سيزيف في هذا العذاب الأبدي يعتبر سيزيف البطل الأسطوري الذي يقوم بمهمة وهو يعلم أنها لن تنتهي ولا جدوى منها ويكافح كفاحا مريرا وهو يعلم انه سيكلل بالفشل

 

السبت، 15 نوفمبر 2014

البارودي محمود سامي

الوحدة الأولى :: خطاب البعث والإحياء



مقدمة في مدرسة البعث والإحياء.

تميزت النهضة الأدبية على المستوى الفكري بظهور التيار السلفي الذي دعا إلى ضرورة العودة إلى المنابع الأولى للدين الإسلامي بهدف إصلاح المجتمع، وترجم هذا التوجه على المستوى الأدبي في العودة إلى القصيدة العربية القديمة، في محاولة لاستلهام روح القصيدة التقليدية، سمي هذا التوجه بخطاب البعث والإحياء.
تتميز هذه المدرسة بالمميزات التالية:

- استلهام تقاليد القصيدة القديمة، والالتزام بعمود الشعر العربي القديم من حيث البناء واللغة والتصوير الفني.

- إحياء القيم الثقافية العربية عبر استحضار ما حفل به الشعر القديم من قيم وتمثلات عن الجمال والطبيعة والإنسان والحياة.

- المزاوجة بين التقاليد الفنية والاستجابة لضرورة العصر، ومن ثم الانخراط في القضايا الوطنية والقومية، والخوض في المسألة الاجتماعية.

محمود سامي البارودي

ظل الشعر العربي ردحًا من الزمن في حالة من الضعف والوهن، يرسف في أغلال الصنعة اللفظية، ويخلو من المعاني الصادقة، والأخيلة المبتكرة، حتى إذا بدأ "محمد علي" نهضته الشاملة، أصاب الشعر العربي شيء من الحركة والنشاط، ودبت فيه الحياة واسترد بعضًا من عافيته، غير أنها لم تكن كافية لإعادة مجده القديم بقسماته وملامحه الزاهية، منتظرًا من يأخذ بيده إلى الآفاق الرحيبة والخيال البديع واللغة السمحة، والبيان الفخيم، وكان البارودي على موعد مع القدر، فجاء ليبث في حركة الشعر روح الحياة، ويعيد لها بعضًا من المجد التليد، بفضل موهبته الفذة، وسلامة ذوقه، واتساع ثقافته، وعمق تجاربه، ونبل فروسيته.

المولد والنشأة

ولد محمود سامي البارودي بالقاهرة في (27من رجب 1255 هـ = 6 من أكتوبر 1839م) لأبوين من الجراكسة، وجاءت شهرته بالبارودي نسبة إلى بلدة "إيتاي البارود" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وكان أحد أجداده ملتزمًا لها ويجمع الضرائب من أهلها.

نشأ البارودي في أسرة على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرًا لمدينتي "بربر" و"دنقلة" في السودان، ومات هناك، وكان ابنه محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره.

تلقى البارودي دروسه الأولى في بيته، فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية سنة (1268هـ = 1852م)، وفي هذه الفترة بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول، وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج برتبة "باشجاويش" ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة إلى نظم الشعر بهما كما ينظم بالعربية، ولما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر بعد غيبة طويلة امتددت ثماني سنوات، ولم يلبث أن حنّ البارودي إلى حياة الجندية، فترك معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي.

حياة الجندية

وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (1282 هـ = 1865م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة "كريت"، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحرب التي خاض غمارها، في رائعة من روائعه الخالدة التي مطلعها:

أخذ الكرى بمعاقد الأجفان
وهفا السرى بأعنة الفرسان

والليل منشور الذوائب ضارب
فوق المتالع والربا بجران

لا تستبين العين في ظلماته
إلا اشتعال أسِنَّة المران


(الكرى: النوم، هفا: أسرع، السرى: السير ليلاً، المتالع: التلال، ضارب بجران: يقصد أن الليل يعم الكون ظلامه).


الخديو إسماعيل

وبعد عودة البارودي من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد ظل في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد "توفيق بن إسماعيل" في (ربيع الآخر 1290هـ = يونيو 1873م)، ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل كاتبًا لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.

ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد الحملة الضخمة التي بعثتها مصر، ونزلت الحملة في "وارنة" أحد ثغور البحر الأسود، وحاربت في "أوكرانيا" ببسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة "سان استفانوا" في (ربيع الأول 1295هـ = مارس 1878م)، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على البارودي برتبة "اللواء" والوسام المجيدي من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف؛ لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة وألوان البطولة.

العمل السياسي

بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر 1295هـ = إبريل 1878م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده "جمال الدين الأفغاني" لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:

جلبت أشطر هذا الدهر تجربة
وذقت ما فيه من صاب ومن عسل

فما وجدت على الأيام باقية
أشهى إلى النفس من حرية العمل

لكننا غرض للشر في زمن
أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة
أدهى على النفس من بؤس على ثكل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت
قواعد الملك حتى ظل في خلل


وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس شورى النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.

ولما تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة (1296هـ = 1879م) أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف، ونرى البارودي يُحيّي توفيقًا بولايته على مصر، ويستحثه إلى إصدار الدستور وتأييد الشورى، فيقول:

سن المشورة وهي أكرم خطة
يجري عليها كل راع مرشد

هي عصمة الدين التي أوحى بها
رب العباد إلى النبي محمد

فمن استعان بها تأيد ملكه
ومن استهان بها لم يرشد


غير أن "توفيق" نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.

وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها "علي مبارك"، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه "محمد عبده" تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.

ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته (25 من رمضان 1298 = 22 من أغسطس 1881م)؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.

وزارة الثورة

عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في (14 من شوال 1298 هـ = 9 من سبتمبر 1881م)، لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في (5 من ربيع الآخر 1299هـ = 24 من فبراير 1882م) وعين "أحمد عرابي" وزيرًا للحربية، و"محمود فهمي" للأشغال؛ ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ لأنها ضمت ثلاثة من زعمائها.

وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا أهدافها، وحافظا كرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.

الثورة العرابية

تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع "البارودي" الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا، فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.

انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في (7 من رجب 1299هـ = 25 من مايو 1882م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب.

البارودي في المنفى

أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في "كولومبو" سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى "كندي" بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.

وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (6 من جمادى الأولى 1317هـ = 12من سبتمبر 1899م).

شعر البارودي

يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث؛ حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته.

وهو إن قلّد القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم وفي معانيهم، فإن له مع ذلك تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.

وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.

وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها "كشف الغمة"، وله أيضًا "قيد الأوابد" وهو كتاب نثري سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، و"مختارات البارودي" وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعر العباسي، يبلغ نحو 40 ألف بيت.

وفاته

بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الأحياء".

ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فلقي ربه في (4 من شوال 1322هـ = 12 من ديسمبر 1904م).

إحياء النموذج في الشعر العربي الحديث -قصيدة (أريج المسك) لمحمد بن إبراهيم مثالا-

التحليل
يعتبر خطاب إحياء النموذج خطابا حاول فيه الشعراء الإحيائيون العودة إلى أصول القصيدة العربية القديمة، فاستوحوا منها مضامينهم الشعرية، وحاكوا الشعراء الأقدمين في شكلها، ويعد محمود سامي البارودي حامل لواء شعر إحياء النموذج، اقتفاه في ذلك أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ويعتبر شاعرنا محمد بن إبراهيم ممثلا لهذه المدرسة بالمغرب، كما توضحه قصيدتهأريج المسك مناط التحليل. فإلى أي حد استطاع شاعرنا تمثيل خطاب إحياء النموذج في قصيدته شكلا ومضمونا؟
يتضح من خلال النظرة البصرية للنص أنه يبدو محاكيا للقصيدة العمودية التقليدية، فقد اعتمد شاعر الحمراء نظام الشطرين المتناظرين ووحدة الوزن ووحدة القافية ووحدة الروي والتصريع في المطلع. جاء العنوان (أريج المسك) من الناحية التركيبية جملة اسمية، فأريج خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا أو هذه، وهو مضاف والمسك مضاف إليه مجرور، أما من الناحية الدلالية فأريج يعني انتشارا لرائحة مرتبطة بالمسك تكون بالضرورة طيبة لطيب الأصل. فما مقصدية الشاعر من هذا التضايف؟ وما علاقة ذلك بمضمون النص؟
أكدت الرؤية البصرية أننا إزاء قصيدة تقليدية، فهل يتحقق ذلك أيضا على مستوى المضمون؟
استهل الشاعر قصيدته بذكر معاناته وشكواه من أعادي الدهر الرديء، الذي دفع بحياته إلى القساوة والكآبة، منتقلا إلى التماس العذر من صحبه وأخلائه، ليفرد نظمه بعدها لإبراز خصاله الحميدة، المتمثلة في امتلاكه لناصية الإبداع، وأن له شأوا عظيما في نظم الشعر وتقصيد القريض، رادفا ذلك بافتخاره واعتزازه بأهله وجاهه وأخلاقه، منتهيا بالنصح للناس تخليدا لذكراه وتحصينا لمحاسن الأخلاق. ويمكن أن نستجمع هذه المضامين جميعها في نواة دلالية مفادها أن الشاعر يسفر عن معاناته لأصحابه وافتخاره بنفسه وإسداء النصح للآخرين.
إذا كانت النظرة البصرية تجعل النص إحيائيا، فإن المضامين والأغراض لم تخرج عن هذا المنحى، فقد ركن محمد بن إبراهيم إلى الاعتماد على تعدد أغراض القصيدة بين الشكوى والافتخار والنصح والإرشاد محسنا التخلص بينها، إن التعدد في الأغراض خاصة الشعرين الإحيائي والقديم.
استند شاعرنا في إبراز هذه المضامين المختلفة المتعددة إلى معجم تتخلله بعض الألفاظ التي تمتح من معين اللغة التراثية القديمة من قبيل: (صارم، العضب، القعب، مناجيد، أقيال...)، إنه معجم تقليدي وسيط يجمع بين الجزالة والمتانة، تتوزعه ثلاثة حقول دلالية: الأول مرتبط بالشكوى، نمثل له بالألفاظ الآتية: (دعوني، أحزاني، يسوؤني، خطب، مدهي ...)، وحقل الفخر، نمثل له بما يلي: (أتيه، أزهو، شامخ الأنف، تعرفني الأخلاق...)، وحقل الموعظة والحكمة، يمكن أن نمثله بـ:(تابع، يشكرك، ذكره، فضيلة، أذكرهم، أريج المسك...).
تربط بين هذه الحقول علاقة تضافر، نسجل فيها هيمنة حقل الافتخار على باقي الحقول الدلالية الأخرى، وذلك لأن مراد الشاعر هو إبراز خصاله وفخره بنفسه وتمجيد ذاته، والحقلان الآخران ليسا إلا خادمين له.
هذا من الناحية المعجمية التي نجد الشاعر جارا فيها القدماء، أما من الناحية البلاغية فقد اعتمدت الصورة الشعرية في النص مباحث البلاغة القديمة من تشبيه وكناية واستعارة ومجاز، وهي في أغلبها مفردة طرفاها حسيين، كما أن لها وظيفة وحيدة في القصيدة هي الوظيفة التزيينية، ففي البيت 17 ورد تشبيه في قوله:(حديثهم كأنفاس زهر الروض)، حيث شبه حديث أصحابه في حسنه كأنفاس الروض في رائحته، وهي صورة مفردة. ورد في البيت السادس استعارة في قوله: (تعرفني الأخلاق) على سبيل الاستعارة المكنية، حيث حذف المستعار منه (الإنسان)، وأبقي على أحد لوازمه (المعرفة)، وهي أيضا استعارة مركبة تجمع بين طرفين مختلفين: الأول حسي والثاني مجرد، ومثلها الاستعارة في قوله(تعرفني الآداب) من البيت نفسه، وتحضر في البيت الخامس كناية في قوله:(شامخ الأنف)، حيث كنى عن عزته ووجاهته بشموخ أنفه.
وبموازاة باقي العناصر السالفة، فقد اقتفى الشاعر في الصورة الشعرية مسالك القدماء اعتمادا على مباحث البلاغة القديمة، أما الأساليب فيمكن أن نميز فيها بين أسلوبين: إنشائي وخبري، فالأول ما لم يحتمل الصدق والكذب، والثاني ما احتملهما معا، فمحمد بن إبراهيم يستعمل الأول في المواطن الوجدانية الانفعالية، ويعتمد الثاني في الإخبار عن معاناته الدائبة والإفصاح عن فخره بنفسه وعلاقته بصحبه، نذكر من قبيل الأول أسلوب النداء في البيت الأول، أتى على سبيل الإنشاء الطلبي، نضيف إلى هذا المثال قوله:(فلا تذكروا)، وهو أسلوب إنشائي يفيد النهي، بالإضافة إلى أسلوب الأمر في قوله:(فثابر على كسب المحامد). يستعمل شاعرنا الأسلوب الخبري في معظم أبيات القصيدة، لأن هدفه الأساس هو الإخبار عن خصاله ومجده وغيرهما.
نظم الشاعر قصيدته، من الناحية الإيقاعية خارجيا، على وزن بحر الطويل، وهو من البحور الخليلية الطويلة المركبة(فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن×2) تنسجم حشرجته وقوته مع غرض النص الرئيس(الفخر)، كما اعتمد الشاعر وحدة القافية، فهي مطلقة رويها متحرك، ومتواترة حيث ما بين ساكنيها حركة واحدة، والروي موحد أيضا، اعتمد فيه بن إبراهيم حرف الباء، وهو من الحروف المجهورة الشديدة يناسب جهر الشاعر بخصاله، إنه داعم لغرض الفخر. وقد صرع صاحب النص مطلع القصيدة إذ العروض والضرب متماثلتان.
هذا من حيث الإيقاع الخارجي، أما فيما يتعلق بالإيقاع الداخلي للنص، فنميز فيه بين التكرار والتوازي، فالأول يتميز بتكرار حروف بعينها أهمها روي القصيدة تكرر أكثر من ثلاثين مرة، ثم حرف السين، وهو من الحروف المهموسة الرخوة مرتبط بالصفير خادم لغرض الشكوى. ولم يقف التكرار عند حدود الحرف، بل تعداه إلى تكرار بعض الصرفيات (دموع، سكبتها، سكب، تعرفني..)، وهذا التكرار يلعب دورا توكيديا يزكي غرضي الفخر والشكوى، ويسهم لا محالة في خلق انسجام موسيقى النص الداخلية. نميز في التوازي بين التوازي الصرفي المتعلق ببنية الكلمات من قبيل: (القلب، الخطب، سكب، عضب، صحب، قعب...)، والتوازي التركيبي الذي نميز فيه بين التوازي التركيبي التام، والتوازي التركيبي الجزئي، يتجلى الأول في قوله:
وتعرفني الأخلاق والفضل والنهى
وتعرفني الآداب والعلم والكتب
وهذا البيت في أصله معارضة لبيت مشهور للمتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ونمثل للتوازي التركيبي غير التام أو الجزئي بقوله:
وما المرء إلا ذكره بفضيلة
وما ذكره إلا فعاله والكسب
يحضر التوازي الدلالي في مجموع الصرفيات التي تخدم الأغراض الثلاثة للنص. وقد تضافر التكرار والتوازي في خلق موسيقى داخلية للنص، أضفت عليه مسحة تزيينية نغمية خادمة لأغراضه، وتسهم في وضع المتلقي أمام مقصدية الشاعر، الذي لم يبتعد قيد أنملة عن ما ألفناه إيقاعيا في الشعر العربي القديم.
يعد هذا النص مثالا واضحا لشعر البعث والإحياء، فشكل القصيدة الهندسي تقليدي، اعتمد فيه الشاعر نظام الشطرين المتناظرين ووحدة الوزن والقافية والروي وتصريع المطلع، كما أن شاعرنا عدد من أغراض القصيدة، وهي سمة تقليدية في القصيدة العمودية، حيث تحدث عن المعاناة والفخر والإرشاد وعارض فحول الشعراء في بعض من الأبيات، وظل معجم النص يرزح في التقليد، يمتح من معين اللغة التراثية، وما فتئت الصورة الشعرية تأخذ في القصيدة من مباحث البلاغة القديمة من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز، ولا يخرج إيقاع القصيدة سواء كان خارجيا أم داخليا عن التقليد.
القصيدة
بما بيننا من حرمة أيها الصحب
دعوني وما يقوى على حمله القلب
فغني مدهي بخطب يسوءنــي
وعيشي في هذا الزمان هو الخطب
فا تنكروا مني دموعا سكبتهـا
خفف أحزاني دموع لها سكــب
أتيه وأزهــو في الأنام مجررا
لأذيال مجد في يدي الصارم العضب
وأرفع رأسي شامخ الأنف في الورى
ولي من فعالي المال والجاه والصحب
وتعرفني الأخلاق والفضل والنهى
وتعرفني الآداب والعلـم والكتـب
وإن كان لي في الشعر متعة خاطر
فورده لي عذب وربعه لي خصب
قريضي توحيـه لي قريحتـي
فأشدو به شدوا به يخلب اللـب
معانيه قد أسفرت عن لثامها
ويأتي ذلولا منه لي يسهل الصعب
أطوف على أزهاره متنشقا
وأشرب من سلساله وهو لي عذب
وتجثو معانيه لي خضعـــا
وقافية عصماء لم يجدها هرب
ولم أحترف يوما مديح قصائدي
إذا جاء ذو مدح وفي يده قعب
ولي خير إخوان يودون عشرتي
ولي قد تضافى منهم الود والحب
يحبونني حبا أحبهم بــــه
فمني لهم قلب ولي منهم الود والحب
أموت بهم بعدا وأنعش كلمـا
نسيما بذكراهم على خاطري هبوا
مناجيد أقيال حضور لدى الندى
ألوذ بهم في الكرب إن دهم الكرب
ألباء أكياس لطيف حديثهــم
كأنفاس زهر الروض باكره الصوب
يفوح أريج المسك إن ذكر اسمهم
فأذكرهم والطيب يعشقه القلب
وما المرء ؟إلا ذكره بفضيلـة
ونما ذكره غلا فعاله والكسب
فثابر على كسب المحامد في الورى
ليشكرك التاريخ والناس والرب
 


تحليل قصيدة سكوتي "انشاد لجبران خليل جبران "

:تقديم
     تنتمي القصيدة بين أيدينا إلى خطاب العودة إلى الذات (الشعر الوجداني)، وقد ساهمت عدة عوامل في ظهور هذا التيار التجديدي منها: العوامل السياسية وتتجلى في استعمار الوطن العربي، والعوامل الاقتصادية وتتجلى في ظهور الطبقة البورجوازية، والعوامل الثقافية وتتجلى في احتكاك المثقف العربي بالثقافة الغربية. وقد عمل رواد هذا التيار الجديد على التغني بذواتهم والهروب من الواقع المحيط بهم إلى عالم الأحلام والغيب والغاب، هذا على مستوى المضمون، أما على مستوى الشكل فقد حافظ رواد هذا المذهب على القصيدة العمودية محدثين فيها تغييرا طفيفا تجلى في تعدد الأوزان والروي والقافية، بالإضافة إلى إحداث نظام المقاطع الشعرية، كما تميزت اللغة عندهم بالسهولة وارتبطت إلى جانب الصورة الشعرية والأوزان بتجربة الشاعر (أسماء هيتوت بتصرف) وهذه القصيدة لجبران خليلجبران وهو أحد رواد التيار الذاتي وقد حضرت بدون عنوان ويمكن افتراضه: "سكوتي إنشاد" لأن القصيدة مؤسسة على هذه الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، وتحمل دلالة عميقة مؤداها أن صمت الشاعر في الظاهر هو ضجيج من الكلام داخل ذاته. أين تتجلى مظاهر التغيير والتجديد في هذه القصيدة ؟ وما هي مظاهر التيار الرومانسي فيها ؟ هذا ما سنتعرف عليه أثناء التحليل.
2 ـ أكثف المعاني الواردة في النص:
    يتحدث الشاعر جبران خليل جبران عن معاناته الداخلية، وتناقض أحاسيسه الباطنية؛ فصمته يصرخ بأحاسيسه ومشاعره (سهام الخاوة). فهو ينقل إلينا حسرته وألمه جراء المعاناة التي يعيشها، والتي تتأرجح بين الهم والغربة (عائشة مسكوري).
3 ـ أحدد الحقول الدلالية المهيمنة في النص، وأربطها بنفسيةالشاعر، وبالاتجاه الأدبي الذي يمثله النص(3 نقط)
    يدخل في نسج النص وتكوينه مجموعة من الألفاظ تعمل متحدة ومتضامة على تشكيل النص، ويمكن تصنيفها حسب الحقول الدلالية التي تنتمي إليها، وقد وظف جبران خليل جبرانمجموعة من الحقول الدلالية منها:
    ـ حقل الإنسان: وتحيل إليه هذه الألفاظ: السكوت، الجوع، أحلامي، خلا، خلي، جسمي، الثخمة، لوعتي، العطش، القلب، البكاء، الثغر.
    ـ حقل المعاناة: وتحيل إليه هذه الألفاظ: الشكوى، غربتي، البكاء، أحلامي، أشتكي، أرتجي، أبتغي، سكر، لوعة.
    ـ حقل الزمن: وتحيل إليه هذه الألفاظ: الليل، الفجر، الدهر، البعث والنشر.
    وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحقول المعجمية الثلاثة تدخل في علاقات بنيوية تتشكل منها معاني القصيدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي تتصل بذات الشاعر فتظهر صراعه مع نفسيته الحزينة الكئيبة وذلك بسبب ما فرضه الدهر والواقع المعيش عليها، وقد شكل فعل الاتصال الوجداني هذا ميزة تجديدية في القصيدة الرومانسية، فبدل أن يصف الشاعر إنسانا آخر(المدح، الغزل) قام بوصف نفسه وذاته، ثم إن تجديد الشاعر تجلى في اعتماده لغة بسيطة تجسدت في توظيفه لحقول معجمية تقترب لغتها من لغة الخطاب اليومي(يهديها عبد النبي بتصرف).
4 ـ أبرز خصائص النص الفنية مع التركيز على: الصورة الشعرية، والبنية الإيقاعية:
   نقصد بخصائص النص الفنية للقصيدة تلك العناصر الأسلوبية التي تميز الشعر عن غيره من وسائل التعبير الأخرى كالقضية النقدية، والقصة والمسرحية … وتتحدد هذه الخصائص في: الصورة الشعرية، والإيقاع بنوعيه الخارجي والداخلي، والأساليب بمختلف تلويناتها وأشكال حضورها في النص(الجمل الاسمية والفعلية، الجمل الإنشائية والخبرية، الضمائر…). يظهر من خلال قراءة القصيدة أن هذه الخصائص الفنية قد حضرت فيها، راسمة الأبعاد النفسية والشعورية للشاعر، والجمالية للقصيدة الشعرية وسنظهر ذلك من خلال تركيزنا على الصورة الشعرية، والإيقاع.
 
أولا ـ الصورة الشعرية:
    تحضر في النص مجموعة من الصور الشعرية المؤسسة على التشبيه والاستعارة، وتعمل الصور الشعرية في النص انطلاقا من عدة وظائف: النفسية، والتأثيرية، والتخييلية، وهو ما سنراه في تحليلنا لهذه النماذج:
    يقول الشاعر في البيت السادس:
نـظـرت إلـى جسمـي بمرآة خاطري        فـألـفـيتـه روحـا يـقـلصــه الـــفـــكـــــر
     يقصد بالخاطر هنا "الوجدان" أي: نظر إلى جسمه بمرآة وجدانه، وأسند إلى خاطره مرآة على سبيل الاستعارة، فأصبح بذلك "الوجدان" مرآة يعكس هموم الشاعر وانفعالاته وآلامه وآماله؛ وتلك هي نظرة التيار الوجداني الرومانسي إلى "الوجدان"، وعندما نظر إلى جسمه بمرآة وجدانه وجده "روحا" يعذبه التفكير، فقد صور الشاعر انطلاقا من هذه الصورة نفسيته.
    ويقول كذلك في البيت التاسع:
ولمـا سـألـت الـنفـس ما الدهـر فاعل        بـحـشـد أمانـيـنا أجـابـت أنا الــدهــــــر
    يخبرنا فيه أنه سأل النفس مستفسرا عن ما سيفعله الدهر، والنفس شيء معنوي لا يرى، ولا يمكن محاورته أو سؤاله، إذن فنحن أمام استعارة، فقد استعار النفس لإنسان وحذف الإنسان وأثبت شيئا من لوازمه على سبيل الاستعارة التخييلية، فقد جسد النفس وجعل لها أذنا تتنصت بها ولسانا تجيب به، وذلك من أجل أن ينقل للمتلقي أن "النفس" هي الدهر، وأن الإنسان هو الذي يصلح من دهره بقدر تحكمه في نفسيته، وفي توظيفه لـ "النفس" مسايرة للاتجاه الذاتي الوجداني (الرومانسي) الذي ينتمي إليه الشاعر.
    ونجده يقول في البيت الخامس:
وقـد ينـثـر اللـيل البـهـيم مـنـازعــي          علـى بسط أحلامـي فيجمعـهـا الفـجــــر
    يخبرنا في هذا البيت من القصيدة أن الشاعر حين نومه في الليل تظهر له مناح متعددة من الحياة في أحلامه، لكن عندما يقبل الفجر تغيب هذه المناحي كأنه لم يرها ولم يعشها في حلمه، مشيرا بذلك إلى المفارقة والاختلاف بين عالم الحلم وعالم الواقع. إذن كيف ينثر (يشتت) الليل المظلم مخاوف الشاعر؟ وكيف يجمعها الفجر ؟ هنا وظف الشاعر خياله ليرسم مخاوفه عن طريق الاستعارة التخييلية، إذن نستطيع أن نقول: إن الليل رحيم بالشاعر، يظهر له عوالم جميلة أثناء نومه، ويجعله يعيشها بطريقته الخاصة، لكن سرعان ما تتبدد تلك الأحلام ويرحل ذلك الحلم مع مجيء الفجر وإطلالة الصباح.
ثانيا ـ البنية الإيقاعية للنص:
   تتأسس البنية الإيقاعية للقصيدة في مستويين اثنيين: الإيقاع الخارجي ونحدد فيه بحر القصيدة العروضي، وقافيتها، ورويها. أما الإيقاع الداخلي فنقف فيه على التكرار والتوازي.
  أـ  الإيقاع الخارجي:
    تنتمي القصيدة إلى بحر الطويل وتفعيلاته كالتالي: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن * 2. وهو من البحور الممزوجة لأنه يتكون من تفعيلتين مختلفتين: (فعولن ومفاعيلن) وهو أكثر شيوعا في الشعر العربي القديم حسب الإحصائيات التي قدمها إبراهيم أنيس في كتابه: "موسيقى الشعر". وروي هذه القصيدة "الراء" المطلقة (المنتهية بحركة الضمة) والموصولة بـ "واو" مثلا (سكرو، الأمرو، الفجرو ….). ونلاحظ أن هذه القصيدة يغلب عليها طابع التقليد للقصيدة النموذجية القديمة، فالشاعر التزم فيها الشطرين المتناظرين، ووحدة الوزن(الطويل)، ووحدة القافية التي تنتهي بروي "الراء" المضمومة. و"الراء" صوت مجهور، يحمل دلالة الجهر بالمعاناة التي يعيشها الشاعر في عالمه المحيط به
 ب ـ  الإيقاع الداخلي:
ـ  التكرار:
   ندرس في التكرار: تكرار الحروف، والكلمات، والجمل والعبارات:
  ـ تكرار الحروف (الصوامت):
   تكرر في القصيدة حروف متعددة نقف على بعضها ـ كما جاء في أوراق فروضكم ـ في هذا الجدول:
الحروف
الراء
الباء
النون
السين
تكرارها
21
19
14
8
   نلاحظ من خلال الجدول هيمنة حرف "الراء" وهو حرف مجهور، مما يدل على أن الشاعريجهر بمعاناته وشكواه، ونلاحظ أن "الراء" هو "روي" القصيدة، وهو المهيمن فيها كذلك، مما يفسر التناسب الصوتي الإيقاعي الجمالي في القصيدة الذي يحدثه حرف الراء "أفقيا" عند تكراره في أبيات القصيدة، و"عموديا" عند تكراره في "الروي"، مما يقوي وظيفته التنأكيدية التي تحددها دلالة الجهر بالشكوى بالمعاناة التي يعيشها الشاعر في واقعه المحيط به.
ـ تكرار الكلمات:
    تكررت في القصيدة الكلمات التالية: (خلا ـ خلي), (أمرا ـ الأمر)، (البعث ـ البعث)، (مرام ـ ما رامني)، (الدهرـ الدهر). إذن لتكرار هذه الكلمات وظيفة جمالية تتحدد في الإيقاع الذي تحدثه حين سماع القصيدة وهي تنشد، أو حين قراءتها. ولها كذلك وظيفة تأكيدية يؤكد من خلالها الشاعر المعاني التي تقولها القصيدة: فهو يتنمنى أن يكون له خل(صديق)، وخله بجانبه مما يدل على أنه لا ينتبه إلى من حوله فهو بعيد عن الواقع وعن الناس، وهو ما أكدته الكلمتان (أمر ـ الأمر) فهو يبحث عن أمر وهو يملك ذلك الأمر. فهو بعيد عن الواقع يتأمل في الغيبياتالبعث، الدهر، النفس، والموت، وتلك خصائص الاتجاه الرومانسي جسدتها هذه القصيدة بصدق.
 ـ تكرار الجمل أوالعبارات:
     يحضر تكرار الجملة أو العبارة في النص في البيتين الثالث والرابع:
وكــم أشـتكي هــما وقــلبي مـفـاخـر                بهــمي، وكـم أبـكـي وثـغـري يـفـتـــــر
وكـم أرتـجـي خـلا وخلـي بجـانــبي                وكـم أبتـغـي أمـرا وفـي حوزتي الأمــر
     فقد افتتحهما الشاعر بأسلوب الخبر "كم"، مكررا جملة: (وكم + فعل مضارع) وكأن الشاعريريد بهذا التكرار إظهار آلامه (أشتكي/ هما / قلبي/ مفاخر بهمي/ أبكي / ثغري يفتر/ أرتجي خلا/ أبتغي أمرا) فهو يشكو همه ويبكي، وقلبه يفاخر بهمه. ويعلم أن خله بجانبه ويبحث عنه، ويعلم أنه يملك أمرا ويبحث عن ذلك الأمر؛ مؤكدا بذلك أن من طبيعة الشاعر الرومانسي البكاء والبحث عن الأجواء الرومانسية في كل ما يحيط به. وقد أفاد أسلوب "كم" الخبرية الذي تكرر أربع مرات في هذين البيتين أن تلك عادة الشاعر، بمعنى آخر فالشاعر يخبرنا أنه كم مرة (دائما) يشتكي، ويبكي، ويرتجي، ويبتغي. مقررا بذلك أن تلك حالته وعادته.
ـ التوازي بالترادف:
     الترادف هو تشابه الكلمتين في المضمون الدلالي نفسه، واختلافهما في الصيغة الصرفية، والتوازي بالترادف هو إعادة الجزء الثاني للجزء الأول بصياغة تعبيرية مخالفة شكلا ومتفقة مضمونا؛ مثال ذلك:
وكــم أشـتكي هــما وقــلبي مـفـاخـر          بهــمي، وكـم أبـكـي وثـغـري يـفـتـــــر
    فالشاعر عندما أورد في الشطر الأول لفظةأشتكي، أتبعها بلفظة أبكي في الشطر الثاني، مصورا بذلك حالته النفسية الأليمة الشاكية الباكية، والتوازي بالترادف وضح معنى هذا البيت. وكذلك نجد هذا التوازي في قوله:  
وكـم أرتـجـي خـلا وخلـي بجـانــبي                وكـم أبتـغـي أمـرا وفـي حوزتي الأمــر
    فإنه عندما أورد في الشطر الأول كلمةأشتكي، أتبعها بكلمةأبتغي في الشطر الثاني، مصورا بذلك حيرته النفسية، كأنه لا يدري ماذا يريد، أو لأنه لماذا هو في هذه الدنيا ؟؟؟ هذا ما وضحه التوازي بالترادف.
ـ التوازي بالتضاد:
     نقصد بالتوازي بالتضاد التشابه القائم بين شطرين شعريين متعادلين ومتتاليين من حيث ترتيب عناصرهما على مستوى البنية التركيبية، ولكنهما متقابلان ومتضادان من حيث دلالة تلك العناصر، كما في هذه الأمثلة:
وفي لوعتي عرس، وفي غربتي لقا          وفي باطني كشف، وفي مظهري ستــر
     فقد صور الشاعر من خلال هذين الجملتين المتضادتين: (باطني كشف # مظهري ستر) حقيقة مهمة مفادها أن ظاهره لا يعكس باطنه، فهما مختلفان: ففي باطنه توجد الحقيقة، وفي ظاهره تختفي الحقيقة، فحقيقته موجودة في باطنه ووجدانه.  
وقـد ينـثـر اللـيل البـهـيم مـنـازعــي          علـى بسط أحلامـي فيجمعـهـا الفـجــــر
   وقد بين التضاد في هذا البيت أن الشاعر الرومانسي متعلق بالليل كأنه لا يحيا إلا في الليل، ففي الليل يستحضر ذكرياته، ويحلم بحياة سعيدة كما يتخيلها ويريدها، لكن هذه اللحظات الجميلة سرعان ما يقتلها طلوع الفجر وضوء الصباح، فيرجع ثانية إلى عالمه المادي الواقعي الأليم. ولولا الحياة لما كانت الموت كما يظهر هذا البيت:
فلـو لـم أكـن حـيا لـما كـنت مائـتــــا          ولــولا مـرام الـنـفس ما رامـني الـقـبــر
إذن فالتوازي بالتضاد يوظفه الشاعر لتأكيد الدلالة المتولدة عن تضاد كلمتين أو جملتين: فباطن الشاعر حقيقة، وظاهره زيف أي لا يظهر حقيقته فضحكه ليس ضحكا حقيقيا وإنما هو نوع من الهروب من الألم الذي يعتصر وجدانه وباطنه 
تركيب:
    عملت مجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية على تجاوز التيار البعثي الإحيائي وميلاد اتجاه سؤال الذات والوجدان (الاتجاه الرومانسي) أنشئت القصيدة على بحر الطويل، وقافيتها موحدة ورويها "الراء" المضمومة، جاءت في شكلها محافظة على نظام القصيدة العمودية النموذجية، ويتضح من خلال دراسة مضامينها معالم التيار الرومانسي القائمة على الشكوى والبكاء والألم، وهو ما أكده مضمون النص، وكذلك معجم النصالمؤسس على كلمات سهلة، والذي هيمن فيه حقل المعاناة والذات، وكذلك الصورة الشعرية التي وضح فيها الشاعر أن خاطره (وجدانه) مرآة تعكس حقيقة ذاته ونفسيته وهو ما عملت الوظيفة التأثيرية للصورة على إيصاله إلى المتلقي، وكذلك الوظيفة التخييلية المؤسسة على الخيال كما أظهر التحليل. وأظهر التكرار بأنواعه جهر الشاعر بشكواه وألمه، وحيرته في هذا الكون، وهو ما أظهره التوازي بالترادف إضافة إلى تصوير آلامه وأحزانه. وأفاد التوازي بالتضاد أن حقيقة الشاعر الرومانسي ليست بادية في مظهره ولكنها مختفية في باطنه ووجدانه.
تقويم:
     يبدو من خلال هذه الاستنتاجات أن جبران خليل جبران خاصة، والتيار الرومانسي عامة استطاع أن يجعل ذاته وهمومه هي موضوع النص، وهو بذلك ظل مبتعدا عن الواقع الذي كان ينتظر من الشاعر التغيير ومسايرة شعار المرحلة المطالب بالتغيير، وظل غارقا في همومه الذاتية، وهو ما جعله تيارا شعريا فشل في مسايرة الواقع، وأنه أوصل التجربة الشعرية إلى أفقها المسدود (انظر: ظاهرة الشعر الحديث، ص:18).  وأرى أن جبران خليل جبران قد استطاع بحسه الشاعري المرهف تجسيد مقومات التيار الرومانسي الذي أعطى قيمة للذات بعد أن فقدت قيمتها (عائشة احميدات).