الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

تحليل قصيدة: "والمعاني باقيات" للشاعر المغربي عبد الكريم بن ثابت

1 ـ أضع النص ضمن السياق الأدبي لتطور فن الشعر:
 إذا كان التيار الإحيائي قد بعث القصيدة من خلال الرجوع إلى الماضي والاستقاء منه، فإن التيار الرومانسي تعدى ذلك إلى ربطها (القصيدة) بذاتية المبدع وانفعالاته؛ وذلك راجع إلى ظهور البورجوازية الصغيرة في المجتمع العربي، مما سمح بظهور الفكر الحر، وأدى إلى الاحتكاك بالثقافة الغربية. وعبد الكريم بن ثابت من الشعراء المغاربة المعاصرين الذين أغوتهم الرومانسية، وكان الشعر أداته التي صور بها تأملاته في ذاته، وتظهر هذه الخاصية في قصيدته: "والمعاني باقيات". والعنوان مركب اسمي، يحيل دلاليا إلى أن كل الأجسام ستفنى وتبقى المعاني التي ترسمها الطبيعة خالدة، وفي ذلك إشارة إلى أبرز خصائص التيار الرومانسي وهي تجسيد الألم والعذاب والأسئلة الغيبية التي تستحوذ على كيان الشاعر، وكذلك خاصية الهروب من الواقع المعيش إلى الطبيعة. وقد جدد عبد الكريم بن ثابت بنية القصيدة ومضمونها فأين يتجلى هذا التجديد ؟ وما مظاهره في القصيدة ؟ هذا ما سنقف عليه في تحليلنا للنص.
 2 ـ أكثف المعاني الواردة في النص:
 استهل الشاعر قصيدته بهدوء وصمت، تسوده أحلام شاعر حساس يبرز فيها مدى اشتياقه إلى العزلة ومخاطبة ذاته، ودعوته لها إلى تأمل جمال الطبيعة، والأفكار، لينعما بما يتسمان به من جمال: الرياض الحافلات بالورد والفل، وشدو الطير بجميل النغمات، وقت الضحى، الشمس، الظلال، المساء، الليل، النجوم، الكتاب، المعاني، الفكر … لعلها تشاركه هذه اللحظات الجميلة، لكنها تسخر منه وتنبهه إلى أن ما كان يرجوه أو يهواه قد ولى وانقضى (الكل هواء قبض ريح يا كريم).
 3ـ أحدد الحقول الدلالية المهيمنة في النص، وأربطها بنفسية الشاعر، وبالاتجاه الأدبي الذي يمثله النص:
 بعد هذه الوقفة المتأنية عند مضامين النص، سننتقل إلى استعراض أهم القيم الجمالية التي عمل الشاعر على ذكرها في هذه القصيدة، ولعل هذه القيم تكون حاضرة في معجم النص يعكسها حقل الذات والطبيعة، كما يظهر هذا الجدول: حقول النص حقل الذات حقل الطبيعة الألفاظ المكونة لها نفسي، رأينا، سمعنا، قلت للنفس، انظري ما يخلبني، يجذبني، قد مضى ما كنت ترجوه، دخلنا، جلسنا، تلونا، قلت يا نفس اقرئي، سخرت نفسي مني، مضى ما كنت تهواه، ارتحلنا، نتلهى، نتمنى، قلت يا نفس انظري، سبتني، أنستني الجحيم، سخرت مني نفسي، مضى ما كنت تهواه، قد مضى ما نتمناه، تقنا، لدينا، قلت نفسي خبريني، سخرت مني نفسي، صوت نبي، عشت دهرا في هناء ونعيم، كريم، لا تسل نفسك، قالت النفس، سوف نفنا وحدنا. رياض حافلات، الورد، الفل، الزهرات، الطير يشدو، الشمس، أمواج السحاب، ظلال، مساء، السماء، نجوم لامعات في الفضاء، بحار، الليل، الكون. استنتاج نلاحظ من خلال تأملنا لحقل الذات أنها حضرت في النص من خلال محاورة الشاعر لها، ويكون بذلك قد جرد من ذاته ذاتا أخرى يخاطبها، ومن خلالها يوصل المعاني إلى القارئ وهو ما تجسده التثنية. ونلاحظ كذلك أن هذه الألفاظ استحضرت ذات الشاعر من خلال اسمه: كريم، وكذلك من خلال رموز دالة عليه: نبي. ونلاحظ كذلك أن ذات الشاعر إما أن تتحد بنفسه فيكونا شيئا واحدا: رأينا، سمعنا، تلونا (أسلوب المثنى). وإما أن ينفصلا ويفترقا فتكون ذاته مخاطبة لنفسه: انظري ما يخلبني، قلت يا نفس اقرئي، قلت يا نفس انظري، قلت نفسي خبريني. ونلاحظ كذلك أن هذه النفس تحضر ساخرة من الشاعر: سخرت نفسي مني، مضى ما كنت تهواه. ونلاحظ كذلك أن الصراع الذي نشأ بين الشاعر وذاته هو صراع نفسي مرير يجسد علاقة الشاعر بنفسيته وبالأشياء المحيطة به، وببعض القيم كالجمال، والحياة، والموت. وانتهت القصيدة بتأكيد المصالحة بين الشاعر وذاته (انظر البيتين: 47و48). نلاحظ من خلال تأملنا لحقل الطبيعة أنها حضرت في النص من خلال: ـ ألفاظ دالة على النبات. ـ ألفاظ دالة على الطير. ـ ألفاظ دالة على الزمن: الشمس، مساء، نجوم، الليل ….. استحضر الشاعر الألفاظ الدالة على الطبيعة في النص؛ لأن الطبيعة تمثل العالم الجميل والطاهر الذي يهرب إليه الشاعر الرومانسي كلما أحس بالضيق (انظر البيت27). تركيب هيمنت في النص الألفاظ الدالة على الذات؛ لأن الذات هي محور القصيدة لدى شعراء الرومانسية، يتأملون خباياها ويبحثون في أعماقها عن أسئلة تؤرقهم، جاعلين إياها مصدر إلهام وحل لكل المشكلات التي تعترضهم، وهم يستحضرونها صحبة الطبيعة (الورد، الأشجار، الليل، البحر…) لأنهم يرون أن ما يحدث في الطبيعة يحدث في أعماق الذات، وما على الشاعر إلا التأمل في الطبيعة وفهمها ليفهم ما يحدث في ذاته.
 4 ـ أبرز خصائص النص الفنية مركزا على: البنية الإيقاعية، والصورة الشعرية:
 أولا ـ البنية الإيقاعية:
 ندرس في الإيقاع إيقاع النص الخارجي أي كل ما له علاقة بشكله وظاهره الخارجي، وندرس كذلك إيقاعه الداخلي مركزين على التكرار والتوازي.
 أ ـ الإيقاع الخارجي:
اتخذت القصيدة من بحر الرمل هيكلا إيقاعيا لها، وهو من بحور الشعر الصافية المؤسسة على التفعيلة الواحدة: "فاعلاتن" التي تتكرر ست مرات في البيت الشعري التام، وأربع مرات في البيت الشعري المجزوء. وغالبا ما يأتي هذا الوزن بهذه الصورة: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن *2. وقد أبدع الشاعر في توظيفه لإيقاع هذا البحر العروضي القديم، فقد أورده في الأبيات: (1و2و3و8و9و10و11و12و13و18و19و20و21و22و23و28و29و30و31و32و33و34و35و40و41و42و43و44و45و46و47و48) مجزوءا. وأورده في الأبيات الشعرية:(4و5و6و7و14و15و16و17و24و25و26و27و36و37و38و39) مشطورا. ويظهر من خلال تأملنا في القصيدة أن الشاعر عبد الكريم بن ثابت قد فصل بين شطري الأبيات الشعرية: (1و2و3و30و40و41و47و48)، ومزج بينها حتى أنها تبدو شطرا واحدا في الأبيات الشعرية: (8و9و10و11و12و13و18و19و20و21و22و23و31و32و33و34و35و42و43و44و45و46) وبنى قصيدته على نظام المقاطع الشعرية منوعا بذلك القافية والروي. وهذا من مظاهر التجديد في الأوزان لدى التيار الرومانسي.
 ب ـ الإيقاع الداخلي:
 ونقصد به الإيقاع الذي يحصل داخل القصيدة، ويحدثه تكرار بعض حروفها، وكلماتها، وجملها، وكذلك توازي جملها، ومعانيها. ـ التكرار: ـ تكرار الصوامت: تتكرر في القصيدة حصوائت معينة، سنصنفها حسب نسبة تكرارها في هذا الجدول: النون اللام 97 90 النون واللام صوتان مجهوران، وظفهما الشاعر في هذه القصيدة للجهر بمعاناته، وبانكسار نفسيته المتأرجحة بين التفاؤل والتشاؤم. ـ تكرار الصوائت: ـ نلاحظ تكرار الكسرة والضمة. تكرار الكلمة بنفسها: ونمثل لذلك من النص بالكلمات التالية: (نفسي/نفسي)، (قد مضى/قد مضى)، (ظلال/ظلال)، (اقرئي/اقرئي)، (سباني/سباني)….. تكرار الكلمة بمشتقها:ونمثل لذلك من النص بالكلمات التالية: (كان/يكون)، تكرار الكلمة بصيغتها الصرفية:ونمثل لذلك من النص بالكلمات التالية: (قدت/قلت)، (العذاب/الكتاب)، تكرار التفعيلة:أحدثتكرارتفعيلة "فاعلاتن" موسيقى متناغمة للنص منحت لألفاظها ومعانيها إيقاعا يتكرر في جميع أبياتها الشعرية. وهذا التكرار هو الذي منح القصيدة إيقاعا موحدا. تكرار أبيات شعرية: وهي: (8و9و18و19و28و29و30و40و41) يؤكد الشاعر من خلال تكرار هذه الأبيات تيمة الوهم، الذي ظهر له من خلال حوار ذاته المنفصلة عنه، التي رغبها في الاستمتاع بمظاهر جمال الطبيعة لكنها لا تستجيب له بقدر ما توقفه على سلبيات المتعة، وتضعه في جو متشائم لا يرى في هذا العالم سوى حقيقة الموت والفناء. ـ التوازي: يحضر التوازي في النص من خلال التوازي التركيبي التام، والتركيبي الجزئي، والدلالي: ـ التوازي الإيقاعي: تحدث البيتان الشعريان اللذان يختم بهما الشاعر المقاطع الشعرية (1و2و3) إيقاعا صوتيا يخلف لدى القارئ جرسا موسيقيا يحسه وهو يقرأ القصيدة. ـ التوازي التركيبي النسبي: حضر في الشطرين الثانيين للبيتين: 40و41. ثـــم قــالت قـــد مـــضـــى ثــم ولـــى و انــقضـى ـ التوازي الدلالي بالترادف: حضر في الأبيات الشعرية: (8و9و 18و19و28و29و40و41). ـ التوازي الدلالي بالتضاد: حضر في البيتين:( 47و48).
 ثانيا ـ الصورة الشعرية:
تتشكل الصورة الشعرية من اللغة والعاطفة والخيال، ويدخل في تكوينها: التشبيه، والاستعارة المفردة والتمثيلية (علاقة المشابهة). والكناية، والمجاز المرسل(علاقة المجاورة). وتحضر الصور الشعرية في النص حضورا قويا ومكثفا، ويشهد لذلك أن كل مقطع يشكل صورة قائمة بذاتها. هل هذه الصور تؤدي وظيفة نفسية، أم تأثيرية، أم تخييلية؟ أم تؤدي هذه الوظائف كلها داخل النص؟ هذا ما سنقف عليه عند تحليلنا لها: لنتأمل الصورة الشعرية الأولى: "قدت نفسي ذات صبح لرياض" عبر بفعل "قاد" وأراد فعل "اصطحب"؛ لأن الصورة التي يسعى إلى بنائها تتطلب ذلك: جعل نفسه أمامه وتحكم بها ووجهها وهي مكرهة نحو الرياض الحافلات بالورد، والفل والزهر، وشدو الطير. تسود الوحدة والانسجام بين ذات الشاعر والطبيعة، مما جعل الشاعر ينسج صورا شعرية تعكس معانقة الشاعر للطبيعة، وتعكس كذلك آماله وأحلامه وآلامه. يبين المقطع الأول أن الحب كامن في عالم الطبيعة، لأن الطبيعة هي الحب. وأضفى المقطع الثاني معاني جميلة على عالم الطبيعة، مما منحها صورة تعكس نفسية الشاعر: "معاني الضحى العذاب"، و"الشمس تهادى فوق أمواج السحاب"، وكذلك المقطع الثالث: "ارتحلنا في مساء عبر أجواء السحاب"، و"نتلهى في نجوم لامعات في الفضاء غائرات في بحار من بهاء "، أما المقطع الرابع فقد جسدت الصورة فيه عالم الوهم الذي يسعى الشاعر وراءه: "لو يبق لدى الكون جمال". ولقد اتحدت ذات الشاعر بالطبيعة من خلال هذه الصور: "قلت للنفس تملي وانظري ما يخلبني إنه الحب هنا كامن يجذبني". و"قلت يانفس اقرئي، اقرئي كل المعاني، كم سباني الفكر فيها …"، و"قلت يا نفس انظري، روعة الليل البهيم ….". تبين هذه الصور الشعرية مدى تعلق الشاعر بالطبيعة واتحاده بمكوناتها، لأنه يجد فيها راحته، فهي التي تنسيه عذاب الجحيم. جسد النص انفصال الشاعر عن نفسه، مما ولد تيمتين هما: تيمة الوهم، وتيمة الحقيقة، كما يظهر هذا الجدول: التيمة تيمة الوهم تيمة الحقيقة الصور المكونة لها ـ البيتان الشعريان: 8 - 9. ـ البيتان الشعريان: 18 ـ 19. ـ البيتان الشعريان: 28 ـ 29. ـ الأبيات الشعرية: من 30 إلى 46 ـ الأبيات الشعرية: من 1 إلى 7. ـ الأبيات الشعرية: من 10 إلى 17. ـ الأبيات الشعرية: من 20 إلى 27. ـ البيتان الشعريان: 47 – 48. استنتاج من خلال تتبعنا لتيمة صورتي الوهم والحقيقة في النص، نجد أن صورة الوهم حضرت 23 مرة في النص، في حين حضرت صورة الحقيقة 25 مرة. مما يعني أن كل شيء وهم في هذه الحياة، إلا حقيقة واحدة وهي موت الإنسان وخلود الطبيعة. يتبين من خلال تتبع الصور الشعرية في النص، أن الشاعر عانق الطبيعة من أجل رسم أحاسيسه وتحديد مواقف ذاته من عالمي الحقيقة والوهم، أن الطبيعة كانت مجرد مطية لإبراز قيمة الزيف والوهم في هذا العالم، وأن الحقيقة فيه هي أننا سنفنى وتخلد المعاني التي ترسمها الطبيعة (البيت 10). لقد عكست هذه الصور نفسية الشاعر المتشائمة والمتفائلة في الآن نفسه، وهو ما جسد انفصالها، وأراد أن يبلغ هاتين القيمتين المتناقضتين إلى القارئ عبر حوار النفس المتفائلة والأخرى المتشائمة ليقنعه بأن الحقيقة هي الموت والفناء. وقد رسم هذه الصورة بواسطة عالم خيالي مكن الشاعر من تقريب هذه المعاني الغامضة والفلسفية بدقة إلى القارئ الذي يتوجب عليه هو الآخر إعمال خياله من أجل إعادة رسم هذا العالم والوقوف عند المعاني التي يريدها الشاعر.
 5ـ الأساليب:
هيمنت في النص الجمل الخبرية، لأن الشاعر يسعى إلى إخبارنا بحقيقة الوهم الذي يلف هذا الوجود. وفي خضم ذلك نراه يورد جملا إنشائية سنقف عليها وهي: أ ـ أسلوب الأمر: وحضر في الكلمات التالية: (تملي، انظري، اقرئي…..) ب ـ أسلوب الاستفهام: وحضر في الأبيات التالية: (32و33و34و35). ج ـ الضمير: ضمير المتكلم: ويحضر في الكلمات التالية: (قدت، قلت، يخلبني، يجذبني، مني، نفسي، قلت، سباني ……….) ضمير المثنى: ويحضر في الكلمات التالية: (رأينا، سمعنا، دخلنا، جلسنا، تلونا…………….) ضمير المخاطبة: ويحضر في الكلمات التالية: (انظري……) ضمير المخاطب: ويحضر في الكلمات التالية: (كنتَ……) يبدو من خلال تتبع أساليب النص سواء الخبرية أو الإنشائية وكذلك الضمائر، أنها تظهر ذات الشاعر وتبرزها وتبين أن الشاعر جعل ذاته بؤرة قصيدته، فهو يأمرها بأن تتأمل الجمال، ويتساءل عن الوهم الذي يحيط بالكون وأفقد كل الأشياء قيمتها الجميلة. وصورت هذه الأساليب الصراع النفسي الذي يعيشه الشاعر مع ذاته فهو تارة يتحد معها (ضمير المثنى)، وتارة أخرى ينفصل عنها (أسلوب الأمر، ضمير المتكلم، ضمير المخاطبة، ضمير المخاطب).
 6 ـ أركب نتائج التحليل وأبين تجربة سؤال الذات،وأناقش مدى تمكن الشاعر من التعبيرعن هذه التجربة.
تركيب:
 عملت مجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية على تجاوز التيار البعثي الإحيائي وميلاد اتجاه سؤال الذات والوجدان (الاتجاه الرومانسي) أنشئت القصيدة على بحر "الرمل" التام والمجزوء، والمشطور، مما يعني أن الشاعر نوع في إيقاعها، وزادها تنويعا في تلوين حرف الروي الذي حضر متعددا هو الآخر، إضافة إلى نظام المقاطع الشعرية، مما يعني أن الشاعر جدد في شكل القصيدة الخارجي وأحدث ثورة جزئية على القصيدة العمودية النموذجية. ويتضح من خلال دراسة مضامينها معالم التيار الرومانسي القائمة على الشكوى والبكاء والألم، وهو ما أكده مضمون النص، وكذلك معجم النص المؤسس على كلمات سهلة، والذي هيمن فيه حقلا الذات والطبيعة لأن الشاعر اتخذ الطبيعة مطية لإظهار مخاوف الذات المتأزمة والمنقسمة على ذاتها. وأوضحت الصورة الشعرية معانقة الشاعر لعالم الطبيعة، وأبانت عن التناقضات التي يحياها الشاعر وعبر عنها من خلال تيمتي: الوهم والحقيقة، وقد عكست صور القصيدة الشعرية نفسيته المتألمة الباحثة عن الجمال في الطبيعة، وهو ما عملت الوظيفة التأثيرية للصورة على إيصاله إلى المتلقي، وكذلك الوظيفة التخييلية المؤسسة على الخيال كما أظهر التحليل. وأظهر تكرار الحروف جهر الشاعر بشكواه وألمه، وأظهر تكرار الكلمات، والجمل، والأبيات الشعرية هذه المفارقة التي يعيشها الشاعر في بحثه عن الحقيقة، وهو ما أكده التوازي بالترادف والتضاد، ولغياب التوازن النفسي للشاعر في القصيدة نجد غياب التوازي التام، وحضور التام النسبي مرة واحدة. تقويم: يبدو من خلال هذه الاستنتاجات أن الشاعر المغربي عبد الكريم بن ثابت خاصة، ورواد التيار الرومانسي عامة جددوا في شكل القصيدة وجعلوها مختلفة في بنيتها عن القصيدة النموذجية التي أحياها رواد البعث والإحياء. واستطاعوا أن يجعلوا ذاتهم وهمومهم هي موضوع النص، فظلوا مبتعدين عن الواقع الذي كان ينتظر منهم التغيير ومسايرة شعار المرحلة المطالب بالتغيير، وظلوا غارقين في همومهم الذاتية، وهو ما جعل من تجربتهم تيارا شعريا فشل في مسايرة الواقع (انظر: ظاهرة الشعر الحديث، ص:18). و قصيدة "والمعاني باقيات" قصيدة تمردت على بنية القصيدة النموذجية، وعلى مضامينها الشعرية، فكانت بذلك أولى بوادر التحرر من الموروث الثقافي وتجاوزه لتحقيق رؤية مستقبلية إلى القصيدة العربية تجلت في تجربة تكسير البنية مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب . إن قصيدة "والمعاني باقيات" قد أوضحت بحق معالم المدرسة الرومانسية، التي نادت بالعودة إلى الطبيعة الأم، والهروب إليها، ونادت كذلك بالعزلة، والابتعاد عن الواقع المرير والأليم، وتمجيد الطبيعة والقيم الإنسانية النبيلة ومن ذلك قيمة "الحب" وهذه القصيدة خير مثال على ذلك فقد تحدث فيها الشاعر عن مدى لوعته بالطبيعة وأنها مصدر الحب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق